أسطورة شمس وقمر
(قصة قصيرة)
كانت هناك قبل التاريخ مملكة بشرية ، حدودها كونية ، أسسها ملك عظيم ، من ولد آدم المخلصين ، وزوجته حورية ، ترعى أبناء الرعية ، وتعين زوجها على نشر العدل والحرية ، أنجبت له ولدان أميران ، الكبير شمس ، والصغير قمر ، كان شمس قائداً للجيش يضيء بنور وجهه المكان ، وينشر دفئه في كل الأرجاء ، ومن يقترب من الحدود بعداء يحترق وإذا قصد غير ذلك أجزل له العطاء ، وله زوجه رائعة الجمال ، تسمى نور الصباح ، أما قمر فكان مخادعاً ، وليس له أي رادع ، وكثير السهر في المساء ، ولاه والده الملك أمن الرعية ، فراح ينشر الرعب ، ويستبيح أرواح الناس ، وأملاك الأثرياء ، وأعراض النساء ، ويهديها للمعية ، وتزوج من ظلام الليل أنثى جنية ، أفكارها شيطانية ، متمردة بطبعها ، وتسيطر على زوجها حتى صار لها مطية .
وذات ليلة مات الملك واتشحت المملكة بالسواد ، وفاضت الأنهار بالدموع من كل العباد ، وقبل ذكرى الأربعين اعتلى العرش شمس بعد بيعة مرضية ، ولكن قمر بتحريض ظلام الليل لم يرض ، وراح على أخيه يتآمر ، ويحشد كل الآثمين ، حتى يطيح به ويستولي على العرش ، ولما دبر وخطط وأشعل الفتنة ، راح ينقلب ففشل وشرد مع من شرد ، وانقطعت أخباره ولم يدر عنه أحد .
وراح شمس مع نور الصباح وأمه حورية يعملون على رخاء الرعية ، حرث الأرض ، غرس البذر ، أقام السدود ، شيد الجسور ، بنى البيوت ، المدارس والمعابد ، وأشعل النيران ليصهر الحديد ويصنع الفؤوس والدروع والمعاول ، وكل ما يفيد الإنسان ، واستأنس الحيوان ، حتى صارت طائعة له مختارة ، تقوم بعملها بكل سعادة ، وأنجبت له نور الصباح الكثير ، والكثير من الأولاد والبنات .
بينما قمر كان يغير على كل الأقوام الآمنين ، ويمارس غيه العظيم ، روض الوحوش ، وأشعل النيران ، ليصهر الحديد ، ويصنع السيوف ، السهام ، الرماح ، وكل ما يضر الإنسان ، أغرق الزرع ، وأهلك النسل ، وسقى الأرض بدماء المغدورين ، وأنجبت له ظلام الليل الكثير ، والكثير من الأبناء ، أنصاف آدميه ، حتى صار له جيش عظيم ، يزلزل الأرض ويروع الآمنين .
وفي ذات ليلة ، عوت فيها الذئاب ، وانزوت كل الحيوانات ، وفقدت السماء هيبتها ، ومارست الأرض غيتها ، اهتزت مملكة شمس ونور الصباح ، من مسير جيش قمر وظلام الليل ، ارتعبت الرعية ، وراح الملك يحشد قواته ، ويستعد ليحمي الديار من هجوم الأشرار، ولما وصل قمر إلى الأسوار راح يصيح على شمس بغرور وكبرياء طالباً أن يلتقي إياه ، ولما كان اللقاء منحه الخيار إما الرحيل أو الانصياع ، وأبى شمس رغم انبهاره بقوة جيش أعدائه وأختار الموت في سبيل البلاد ، وحتى يكون مثلاً لكل العباد ، ودقت الطبول ، ونفخت البوق ، والتقى الجيشان ، وبقيا يتقاتلان كل صباح ومساء ، حتى كسرت السيوف ، ونفذت الأسهم والرماح ، وخارت قوى الجنود حتى لم يعودوا يقووا على الوقوف ، هلكت الخيول ، وسفكت الدماء حتى ارتوت الأرض بما تشاء ، والتقى القائدان الشقيقان في قتال انتهى بما لم يكن محال .... ماتا وبعثت روحاهما إلى حيث يقدران ، فراح شمس إلى بعيد ، بعيد ، وأصبح نجماً في السماء ، يضئ الدنيا ويدفئ العباد ، وتلتقيه كل يوم نور الصباح ، ليخرج كل كادح إلى الفلاح ، يفضح كل فاسد ويحرق كل ظالم وينصر على مر الزمان كل أحفاده على الرغم من أنهم ليسوا أقوياء ، أما قمر فلم يذهب بعيداً لأن روحه شريرة ، بقى من الأرض قريباً ، بارداً مظلماً ، يسترق بعض ضياء شمس ، ويتلحف بدفيء نيرانه الصديقة .
وبقى قمر رغم الممات شريراً ، يلهم الشعراء ، ويغوي العشاق ، وبقوا أحفاده سمّر ساهرين ، في الخطايا غارقين ، متلهفين للحظة الانقضاض ، ونالوا شرف الاتصال بجدهم المغوار ، لما هبطت على جسده أول سفينة فضاء ، وانقسمت الدنيا منذ تلك المعركة لنصفين ، نصف لأحفاد شمس الأخيار وجلهم من الضعفاء ، الفقراء ، والنصف الآخر لأحفاد قمر الأثرياء ، الأقوياء ، وأصبحت الدنيا بينهما قسمين ، نهار وليل ، شرق وغرب ، شمال وجنوب ، ربما زاد ، ربما نقص ، حسب ما يحقق كل فريق انتصار ، ولم يحقق أحدهما آخر انتصار ، وتبقى على ذلك المملكة حتى يتحقق الوعد لشمس بالاقتراب ، فيحرق كل الأشرار ، وينشق قمر انشقاق ، لينتهي عصر أحفاده ، وينقطع دابر أبناءه .
ولايزال الصراع مستمراً .